×
بیتحرف ماحرف شما
x - »
| 26 شهريور 1403, 9:58 ب.ظ
0098 21 88961224

الجولة الثانیة

فی أجواء الذکرى السنویّة الأربعین لانتصار الثّورة الإسلامیّة ودخول الجمهوریة الإسلامیة فصلاً جدیداً من الحیاة، أصدر الإمام الخامنئی بیاناً هامّاً شکر فیه مشارکة النّاس المشرّفة والکاسرة لشوکة الأعداء فی مسیرات الحادی عشر من شباط، ثمّ تطرّق إلى شرح ممیّزات المسار المشرّف الذی قطعته الجمهوریة الإسلامیّة طوال أربعین عاماً وبرکات الثورة الإسلامیّة المذهلة التی أوصلت إیران العزیزة إلى مکانة تلیق بالشعب وشدّد سماحته على الأمل الواقعی بالمستقبل ودور الشباب الاستثنائی فی خطوّ الخطوة العظیمة الثانیة باتجاه تحقیق المبادئ، وبعد ذلک وجّه سماحته خطابه للشباب وبناة مستقبل إیران الإسلامیّة موضحاً مستلزمات هذا الجهاد العظیم ضمن ٧ عناوین أساسیّة.
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا محمد وآله الطاهرین وصحبه المنتجبین ومن تبعهم بإحسان إلی یوم الدین.
من بین کلّ الشعوب الخاضعة للجور قلّما یعقد شعب عزیمته وهمته للقیام بثورة، ومن بین الشعوب التی ثارت ونهضت قلّما شوهد شعبٌ استطاع أن یصل بالأمور إلى خواتیمها ویُحافظ علی مبادئ الثورة بعد تغییره أنظمة الحکم. بید أنّ ثورة الشعب الإیرانی العظیمة وهی أکبر الثورات فی العصر الحدیث وأکثرها شعبیّة، هی الثّورة الوحیدة التی أمضت أربعین عاماً زاخرة بالمفاخر والأمجاد من دون خیانة لمبادئها، وصانت کرامتها وأصالة شعاراتها فی مقابل کلّ المغریات الّتی بدت وکأنّها عصیّة علی المقاومة، ودخلت الآن فی المرحلة الثانیة من البناء الذّاتی وبناء المجتمع وصناعة الحضارة. فتحیّة من أعماق القلب لهذا الشعب، وللجیل الذی بدأ هذا المشوار وواصله، وللجیل الذی دخل الآن مرحلة عالمیّة کُبری تتمثّل بالأربعین عاماً الثانیة من عمر الثورة.
یوم کان العالم مُقسّماً بین المعسکر الشّرقی والمعسکر الغربی المادیّین، ولم یکن أحد یتصوّر وقوع نهضة دینیّة کبری، نزلت الثورة الإسلامیة الإیرانیّة إلی الساحة باقتدار وعظمة وحطّمت الأطر التقلیدیة وأثبتت للعالم اهتراء الطروحات والصیغ الفکریّة النمطیّة؛ وطرحت الدین والدّنیا إلی جانب بعضهما البعض، وأعلنت عن بدایة عصر جدید. وکان من الطبیعی أن یُبدی زعماء الضّلال والجور ردّات فعل، غیر أنّ ردّات الفعل هذه کُتب لها الإخفاق. وعلى الرغم من کلّ ما قام به الیسار والیمین الحداثویّان من التظاهر بعدم سماع هذا الصوت الجدید والمختلف، إلی السعی الواسع والمتنوّع لإخماده، إلّا أنّهما اقتربا من أجلهما المحتوم. والآن بعد مرور أربعین احتفالیّة سنویّة للثورة وأربعین من "عشرة الفجر"، زال أحد قطبی العداء المذکورین، وراح الآخر یتخبّط فی مشاکل تنمّ عن قرب احتضاره! أما الثّورة الإسلامیّة فلا تزال تواصل تقدمها إلی الأمام محافظةً علی شعاراتها والالتزام بها.
یُمکن افتراض مدّة زمنیّة معیّنة وتاریخ انتهاء صلاحیّة لکلّ شیء، إلا أنّ الشعارات العالمیة لهذه الثورة الدینیة مستثناة من هذه القاعدة، فهی لن تکون عدیمة التأثیر والفائدة أبداً، لأّنّها متجذرّة فی فطرة الإنسان فی جمیع العصور. فالحریّة والأخلاق والمعنویة والعدالة والاستقلال والعزّة والعقلانیّة والإخوّة لا یختص أیّ منها بجیل أو مجتمع دون غیره، حتّی یتألق ویزدهر فی حقبة ویأفل فی أخری. لا یمکن أبداً تصوّر شعب یعرض عن هذه الآفاق المبارکة. ومتی ما حصلت حالة إعراض أو تبرّم کان السبب إعراض المسؤولین عن هذه القیم الدینیّة ولیس الالتزام بها والسعی لتحقیقها وتطبیقها.
والثورة الإسلامیّة بوصفها ظاهرة حیّة وذات إرادة، هی دوماً مرنة ومستعدّة لتصحیح أخطائها لکنّها لا تتقبل الاستئناف ولیست منفعلة. إنّها تُبدی الحساسیّة الإیجابیّة حیال النّقد وتعدّه نعمة من الله وتحذیراً لأصحاب القول من دون عمل، لکنها لا تبتعد أبداً وتحت أیّ ذریعة عن قیمها الممتزجة ـ والحمد لله ـ بالإیمان الدینیّ للناس. والثورة الاسلامیّة بعد تشکیلها للنظام لم ولن تُصاب بالرکود والخمول والانطفاء، ولن تشهد تضاداً أو عدم انسجام بین الغلیان الثوری والنظام السیاسی والاجتماعی، بل ستبقی تدافع إلی الأبد عن نظریة النظام الثوری.
لیست الجمهوریة الإسلامیة متحجّرة وعدیمة الإحساس والإدراک مقابل الظواهر والظروف المتجدّدة، لکنّها ملتزمة أشدّ الالتزام بأصولها ومبادئها، وتتحسّس بشدّة لحدودها الفاصلة بینها وبین منافسیها وأعدائها. وهی لا تهمل أبداً طروحاتها الأساسیّة، ومن المهمّ بالنسبة لها أن تبقی وکیف تبقی. ولا شکّ فی أن الفجوة بین ما ینبغی وما هو واقع، قد عذّبت ولا تزال تعذّب الضمائر المنادیة بـ [تحقیق] المبادىء، بید أنّ هذه الفجوة یمکن طیّها وتجاوزها، وقد تمّ طیّها فی بعض الحالات طوال الأعوام الأربعین الماضیة، ولا شکّ أنها ستُطوی بقوّة أکبر، بفضل حضور الجیل المؤمن المتدیّن العالِم المتحفّز.
لقد کانت ثورة الشعب الإیرانی الإسلامیة ثورة قویّة، لکنّها عطوفة ومتسامحة بل مظلومة أیضاً. ولم ترتکب أعمالاً متطرّفة وانحرافیّة سبّبت العار لکثیر من النهضات والحرکات. ولم تُطلق الرّصاصة الأولی فی أیّ معرکة حتّی مع أمریکا وصدّام، وعملت فی کلّ الحالات علی الدفاع عن نفسها بعد هجوم العدو علیها، وبالطبع فقد سدّدت الضربات فی ردودها بقوة. ولم تکن هذه الثورة منذ بدایاتها وإلی یومنا هذا عدیمة الرحمة ولا سفّاکة للدماء، وفی الوقت عینه لم تکن منفعلة ولا متردّدة. [بل] وقفت علانیّة وبشجاعة مقابل العتاة والمستکبرین ودافعت عن المظلومین والمستضعفین. هذه المروءة والشهامة الثوریّة، وهذا الصدق والصراحة والاقتدار، وهذا النطاق [الواسع] من العمل العالمی والإقلیمی إلی جوار مظلومی العالم، هو مصدر عزّة وفخر لإیران والإیرانیین، وسیبقی کذلک إلی الأبد.
والآن ونحن على أعتاب فصل جدید من حیاة الجمهوریة الإسلامیة، أرغب أن أتحدّث إلى شبابنا الأعزاء، الجیل الذی نزل میدان العمل من أجل أن یبدأ جانباً آخر من الجهاد الکبیر لبناء إیران الإسلامیة الکبری. کلامی الأول حول الماضی.
أعزّائی، لا یمکن معرفة المجهول إلا عن طریق التجربة أو الإصغاء لتجارب الآخرین. الکثیر مما شهدناه وجرّبناه لم یُجرّبه جیلکم بعد ولم یشهده. لقد شهدنا [بدورنا] وسوف تشهدون. إنّ السنوات والعقود المقبلة هی عقودکم، وأنتم من یجب أن تحموا ثورتکم بخبراتکم واندفاعکم وتُقرّبوها مهما أمکن من هدفها الکبیر ألا وهو إیجاد الحضارة الإسلامیّة الحدیثة والاستعداد لبزوغ شمس الولیّ الأعظم (أرواحنا فداه). ولکی نخطو خطوات راسخة فی المستقبل، علینا معرفة الماضی بشکل صحیح واستلهام الدروس والعبر من التجارب. وإذا ما غفلنا عن هذه الاستراتیجیّة فستحلّ الأکاذیب محل الحقیقة، وسیتعرّض المستقبل لتهدیدات مجهولة. إنّ أعداء الثورة یعملون، وبدوافع قویّة، علی تحریف الماضی وحتّی الحاضر ونشر الأکاذیب، ویسخّرون فی سبیل ذلک الأموال ویستفیدون من کل الأدوات والوسائل. وقُطّاع طرق الفکر والعقیدة والوعی کُثر، ولا یمکن سماع الحقیقة من العدوّ وجنوده.
لقد انطلقت الثورة الإسلامیة والنّظام المنبثق عنها من نقطة الصفر. فأولاً، کان کلّ شیءٍ ضدّنا، سواء نظام الطاغوت الفاسد الذی کان بالإضافة إلی تبعیّته وفساده واستبداده وکونه نظاماً إنقلابیّاً، أوّل نظام ملکیّ یتولّی الحکم فی إیران علی ید الأجانب ـ ولیس بقوّته ـ أو الحکومة الأمریکیّة وبعض الحکومات الغربیّة الأخری، أم الوضع الداخلی المتأزّم بشدّة، والتأخّر المخجل على صعید العلم والتقنیّة والسیاسة والمعنویة وکلّ الفضائل الأخری.
ثانیاً: لم یکن أمامنا أیّ تجربة سابقة ونموذج یُحتذى، ومن البدیهیّ أنّ الثورات المارکسیّة وأمثالها لا یمکن عدّها نموذجاً لثورة انبثقت من صلب الإیمان والمعرفة الإسلامیّة. لقد بدأ الثّوار الإسلامیّون مشروعهم من دون نماذج وتجارب، ولم تتأتّ الترکیبة بین الجمهوریة والإسلامیّة، وأدوات تشکّلها وتطوّرها إلا بالهدایة الإلهیّة وبفضل القلب النیّر والفکر العظیم للإمام الخمینیّ. وکانت هذه أوّل تألّقات الثورة.
وعندها، بدّلت ثورة الشعب الإیرانی العالم ثنائیّ القطب یومذاک إلی عالمٍ ثُلاثیّ الأقطاب، ثم بسقوط الاتحاد السوفیاتیّ والدول التابعة له، وظهور أقطاب قوّة جدیدة، أضحی التقابل الثنائیّ الجدید بین الإسلام والاستکبار الظاهرة البارزة فی العالم المعاصر ومحطّ اهتمام شعوب العالم. فمن ناحیة، تسمّرت علیها الأنظار الآملة للشعوب الرازحة تحت نیر الظلم، والتیارات المطالبة بالتحرّر فی العالم وبعض الحکومات التائقة للاستقلال، ومن ناحیة أخری ترکّزت علیها الأنظار الحاقدة والمغرضة للأنظمة التعسفیة والعتاة المبتزین فی العالم. وهکذا تغیّر مسار العالم وقضّ زلزال الثورة على الفراعنة مضاجعهم، فابتدأت العداوات الشدیدة، ولولا قوة الإیمان العظیمة ودوافع هذا الشعب والقیادة الربّانیّة والمؤیّدة للإمام الخمینیّ العظیم لما أمکن المقاومة حیال کلّ هذه العداوة والظلم والمؤامرات والشرّ.
وعلی الرغم من کلّ هذه المشاکل الاستنزافیة قطعت الجمهوریة الإسلامیة یوماً بعد یوم خطوات أوسع وأکثر ثباتاً نحو الأمام. وقد شهدت هذه الأعوام الأربعون أنواع الجهاد الأکبر والمفاخر المتألقة والتقدم المذهل فی إیران الإسلامیة. ویمکن استبیان عظمة التقدّم الذی حققه الشعب الإیرانی فی هذه الأعوام الأربعین بصورة جیّدة، عند مقارنة هذه الحقبة بالأحقاب المشابهة لها فی ثورات کبری من قبیل الثورة الفرنسیة وثورة أکتوبر السوفیتیة وثورة الهند. لقد أوصلت الإدارة الجهادیة المستلهمة من الإیمان الإسلامی والإیمان بمبدأ نحن قادرون ، الذی علّمه الإمام الخمینی الجلیل لنا جمیعاً، إیران إلی العزّة والتقدّم علی جمیع الأصعدة.
لقد أنهت الثورة مرحلة من الإنحطاط المزمن، وبدأت البلاد، التی تعرّضت خلال العهدین البهلوی والقاجاری لأّشد درجات الهوان والتخلّف، تسیر فی طریق التقدّم السریع. ففی الخطوة الأولی بدّلت الثورة النظام الملکی الاستبدادی المخزیّ إلی حکمٍ شعبیّ وسیادة شعبیة، وأدخلت عنصر الإرادة الوطنیة الذی یمثل روح التقدّم الشامل والحقیقیّ، فی صلب إدارة البلاد، ثم جعلت الشباب اللاعبین الأصلیین فی الأحداث وأدخلتهم فی میدان الإدارة، ونقلت روحیّة نحن قادرون إلی الجمیع، وبفضل الحظر الذی فرضه الأعداء علّمت الجمیع الاعتماد علی القدرات الذاتیّة، فکان هذا مصدر خیرات وبرکات کثیرة:
أولاً: ضمنت استقرار البلاد وأمنها ووحدة أراضیها وصیانة حدودها التی تعرّضت لتهدیدات جادّة من قبل الأعداء، واجترحت معجزة الانتصار فی حرب الأعوام الثمانیة وهزیمة النظام البعثی وحماته الأمریکان والأوروبیّین والشرقیّین.
ثانیاً: أضحت الداینمو المحرّک للبلاد فی میادین العلم والتقانة، وإیجاد البنی التحتیة الحیویة والاقتصادیة والعمرانیة، التی لا تزال إلى الآن ثمارها الیانعة تزداد وتتضاعف یوماً بعد آخر. فآلاف الشرکات علمیّة المحور، وآلاف المشاریع الخاصة بالبنی التحتیة والضروریة للبلاد فی مجالات العمران والنقل والمواصلات والصناعة والطاقة والمعادن والصحة والزراعة والمیاه وغیر ذلک، وملایین الخرّیجین الجامعیین أو الطلاب الحالیین، وآلاف الوحدات الجامعیة فی شتّی أرجاء البلاد، وعشرات المشاریع الکبرى من قبیل دورة الوقود النووی، والخلایا الجذعیة، وتقنیّات النانو، وتقنیات الأحیاء، وغیرها، وبرتب أولی علی مستوی العالم کلّه، وازدیاد الصادرات غیر النفطیة إلی ستین ضعفاً، وزیادة الوحدات الصناعیة إلی ما یقارب العشرة أضعاف، وتحسّن جودة الصناعات عشرات الأضعاف، وتبدیل الصناعات التجمیعیة إلی تقنیات محلیة، والتمیّز الملحوظ فی الحقول الهندسیة المتنوعة بما فی ذلک الصناعات الدفاعیة، والتألّق فی الفروع الطبیّة المهمّة والحسّاسة واکتساب موقع مرجعیّ فیها، وعشرات النماذج الأخری من التقدم، کانت کلّها حصیلة تلک الروح وتلک المشارکة وذلک الشّعور العامّ الذی حقّقته الثورة للبلاد. لقد کانت إیران قبل الثورة فی درجة الصفر من حیث إنتاج العلم والتّقانة، ولم یکن لها فی الصناعة من میزة سوی التجمیع والمونتاج وفی العلوم سوی الترجمة.
ثالثاً: أوصلت المشارکة الشعبیّة فی القضایا السیاسیّة، من قبیل الانتخابات ومواجهة الفتن الداخلیّة والمشارکة فی المواقف والمراحل الوطنیّة ومقارعة الاستکبار إلی الذّروة، وزادت بنحوٍ ملحوظٍ، الأنشطة الاجتماعیة من قبیل المساعدات والنشاطات الخیریة التی کانت قد انطلقت منذ ما قبل الثورة. وبعد الثورة صار الناس یشارکون بشوق فیما یشبه السباق لتقدیم الخدمات فی الحوادث الطبیعیة والنواقص الاجتماعیة.
رابعاً: ارتقت الثورة بمستوی التفکیر السیاسی لأبناء الشعب ونظرتهم للقضایا الدولیّة بنحو مذهل. وأخرجت عملیات التحلیل السیاسی وفهم القضایا الدولیة فی موضوعات من قبیل، جرائم الغرب وخصوصاً أمریکا، وقضیة فلسطین والظلم التاریخی الذی حلّ بشعبها، وقضیة إشعال القوی المستکبرة للحروب وممارساتها الخبیثة وتدخّلاتها فی شؤون الشعوب وما إلی ذلک، أخرجتها من کونها محصورة بشریحة محدودة ومعزولة تُعرف بالمستنیرین، فانتشرت مثل هذه الاستنارة بین عموم الشعب وفی کلّ البلاد وعلی مستویات الحیاة کافّة، وأضحت مثل هذه القضایا واضحة ممکنة الفهم حتّی للأحداث والیافعین.
خامساً: رجّحت کفّة العدالة فی توزیع خیرات البلاد العامة. وعدم رضایَ عن فاعلیة العدالة فی البلاد، لکون هذه القیمة السامیة (العدالة) یجب أن تتألق کجوهرة فریدة علی جبین نظام الجمهوریة الإسلامیة، وهو ما لم یحصل بعد، ینبغی أن لا یُفهم منه عدم حصول شیءٍ من أجل تکریس العدالة. والواقع أن حصیلة الکفاح ضد اللاعدالة خلال هذه العقود الأربعة لا یمکن مقارنتها بأیّ حقبة أخری فی الماضی. ففی نظام الطاغوت کانت أکثر الخدمات ومداخیل البلاد تختص بفئة صغیرة من سکان العاصمة أو أمثالهم فی مناطق أخری من البلاد. وکان أهالی معظم المدن وخصوصاً المناطق النّائیة والقری والأریاف فی نهایة القائمة وغالباً ما کانوا محرومین من احتیاجاتهم الأولیة والأساسیة والخدمیّة. وتُعدّ الجمهوریة الإسلامیة من أنجح الحکومات والدّول فی العالم فی نقل الخدمات والثروة من المرکز إلی کلّ أنحاء البلاد، ومن مناطق المرفهین فی المدن إلی مناطق المحرومین. وإنّ الإحصائیات والأرقام الکبری لمدّ الطرق وبناء البیوت وتشیید المراکز الصناعیة وإصلاح الشؤون الزراعیة وإیصال الکهرباء والماء وإنشاء المراکز العلاجیة والوحدات الجامعیة وبناء السدود ومحطات الطاقة الکهربائیّة وما إلی ذلک، فی أقصی مناطق البلاد لهی أرقام تبعث علی الفخر والاعتزاز حقاً؛ ولا شکّ أن کلّ هذا لم ینعکس فی الإعلام الناقص للمسؤولین، ولم تعترف به ألسنة الخصوم الخارجیین والداخلیین، إلا أنه واقع قائم وموجود وهو حسنة للمدراء الجهادیین المخلصین عند الله وعند الناس. وبالطبع، فإنّ العدالة المتوقعة فی الجمهوریة الإسلامیة التی ترغب فی أن تعرف باتّباعها للحکومة العلویة، هی أکثر من هذا بکثیر، وأعین الأمل فی تحقیقها مسمّرة علیکم أیها الشباب، وهو ما سوف أتطرّق له فی تتمّة حدیثی.
سادساً: رفعت من مستوی المعنویة والأخلاق فی أجواء المجتمع العامة بشکل ملحوظ. وسلوک الإمام الخمینی وسیرته طوال فترة الکفاح وبعد انتصار الثورة کان له السهم الأوفر فی إشاعة هذه الظاهرة المبارکة. لقد تولی ذلک الإنسان المعنوی العارف الورع المنزه عن زخارف الحیاة والمظاهر المادیّة رئاسة بلاد، أرصدة إیمان شعبها ذات جذور عمیقة للغایة. ومع أن ید التطاول للإعلام المروّج للفساد والتحلّل طوال العهد البهلوی قد وجّهت لهذه الأرصدة ضربات شدیدة، وجلبت مستنقعاً من الأدران الأخلاقیّة الغربیة إلی داخل حیاة الطبقة المتوسطة وخصوصاً الشباب، إلا أن التوجّه الدینی والأخلاقی فی الجمهوریة الإسلامیة اجتذب القلوب الموهوبة والنورانیة، ولا سیما الشباب، فتغیرت الأجواء لصالح الدین والأخلاق. وقد ترافق جهاد الشباب فی المیادین الصعبة بما فی ذلک ساحة الدفاع المقدّس مع ذکر الله والدعاء وروح الإخوّة والإیثار، وأحیى أحداث صدر الإسلام ووضعها نصب أعین الجمیع. وقد ضحّی الآباء والأمهات والزوجات بفعل شعورهم بالواجب الدینی بأحبّائهم الذین سارعوا إلى جبهات الجهاد المتنوعة، وبعد ذلک عندما واجهوا جثامینهم الدامیة أو أجسادهم الجریحة أرفقوا المصیبة بالشکر. وعمرت المساجد وسادت الأجواء الدینیة بشکل غیر مسبوق. وامتلأت طوابیر الاعتکاف بآلاف الشباب والأساتذة والطلبة الجامعیین والنساء والرجال، کما امتلأت طوابیر المخیمات الجهادیة وجهاد البناء وتعبئة البناء بآلاف الشباب المتطوّعین المضحّین. وازدادت الأعمال العبادیّة من الصلاة والحج والصیام والمشی للزیارة والمراسم الدینیة المختلفة والإنفاقات والصدقات الواجبة والمستحبة فی کلّ مکان وخصوصاً بین الشباب، وهی إلی الیوم فی ازدیاد وازدهار مطّرد من حیث العدد والنوعیة. وقد حدث هذا کلّه فی زمن تسبّب فیه الانحطاط الأخلاقی المتزاید للغرب وأتباعه، ودعایاتهم الهائلة لجرّ الرجال والنساء إلی مستنقعات الفساد، بانعزال الأخلاق والمعنویة فی مناطق کثیرة من العالم، فکانت هذه معجزة أخری للثورة ونظامها الإسلامی الفعّال والرّیادی.
سابعاً: برز أکثر ویوماً بعد یوم، رمز الصمود العظیم والمجید والمهیب بوجه العتاة والمستبدّین والمستکبرین فی العالم وعلی رأسهم أمریکا الناهبة المجرمة. فطوال هذه الأعوام الأربعین کان عدم الاستسلام وحراسة الثورة وعظمتها وهیبتها الإلهیة ورأسها الشامخ المرفوع مقابل الحکومات المتکبرة والمستکبرة، کان دوماً سمة معروفة لإیران والإیرانیین وخصوصاً شباب هذا البلد. وقد اعترفت القوی الاحتکاریة فی العالم، والتی وجدت حیاتها دوماً فی التطاول علی استقلال باقی البلدان وسحق مصالحها الحیویة لأجل أهدافها المشؤومة، اعترفت هذه القوی بعجزها مقابل إیران الإسلامیة الثوریة. واستطاع شعب إیران فی أجواء الثورة المحییة أولاً طرد عمیل أمریکا والعنصر الخائن للشعب من البلاد، وبعد ذلک وإلی الیوم حال بکل قوّة واقتدار دون عودة هیمنة القوى العالمیّة على البلاد.
أیّها الشباب الأعزاء، هذا جزء بسیط من العناوین الأساسیة لماضی الثورة الإسلامیة الممتد علی مدی أربعین عاماً، الثورة العظیمة الراسخة المتألقة التی ینبغی علیکم بتوفیق الله أن تخطوا الخطوة الواسعة الثانیة للتقدم بها.
وها هی حصیلة جهود أربعین عاماً أمام أنظارکم الآن، بلد وشعب مستقل، حرّ، مقتدر، عزیز، متدین، متقدم فی العلوم، صاحب تجارب مهمّة، واثق ومتفائل، له تأثیره الأساسی فی المنطقة وصاحب منطق متین فی القضایا العالمیة وصاحب الرقم القیاسی فی سرعة التقدّم العلمی، صاحب رقم قیاسی فی الوصول إلی المراتب العلیا؛ فی العلوم والتقنیات المهمة من قبیل الطاقة النوویة والخلایا الجذعیة والنانو والفضاء والطیران وغیر ذلک، ممیّز فی نشر الخدمات الاجتماعیة، ممتاز فی الدوافع الجهادیة بین شبابه، بارز فی نسبة شبابه المؤهلین الکفوئین، والکثیر من الخصوصیات الأخری الباعثة علی الفخر، وهذه کلّها من ثمار الثورة ونتیجة التوجهات الثوریة والجهادیة. واعلموا أنّه لو لم تحصل هذه اللا مبالاة تجاه الشعارات الثوریة والغفلة عن السیاق الثوری فی بعض المراحل من تاریخ الأربعین عاماً هذه ـ وهو ما حصل للأسف وتسبب فی بعض الخسائر ـ لکانت مکتسبات الثورة أکثر من هذا بکثیر، ولکان البلد متقدّماً بأشواط فی طریق الوصول إلی المبادئ الکبری، ولما کانت الکثیر من المشکلات موجودة الیوم.
تواجه إیران المقتدرة الیوم أیضاً کما فی بدایة الثورة تحدّیات یخلقها لها المستکبرون، لکن بفارق ذی مغزی کبیر. إذا کان تحدّی أمریکا یومذاک یتمثّل بکفّ أیدی عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الکیان الصهیونی فی طهران أو فضح وکر التجسّس، فالتحدّی الیوم سببه وجود إیران المقتدرة علی حدود الکیان الصهیونی، وإنهاء النفوذ غیر الشرعی لأمریکا فی منطقة غرب آسیا، ودعم الجمهوریة الإسلامیة لکفاح المجاهدین الفلسطینیین داخل الأراضی المحتلة والدفاع عن الرایة الخفاقة لحزب الله والمقاومة فی کلّ هذه المنطقة. وإذا کانت مشکلة الغرب فی تلک المرحلة، الحیلولة دون شراء إیران أسلحة بدائیة، فإنّ مشکلته الیوم الحؤول دون نقل الأسلحة الإیرانیة المتطورة لقوات المقاومة. وإذا کانت أمریکا حینها تظنّ أنها بعدد من الإیرانیین البائعین لذممهم وبعدّة طائرات ومروحیات تستطیع التغلب علی النظام الإسلامی والشعب الإیرانی، فإنّها الیوم تجد نفسها فی مواجهة الجمهوریة الإسلامیة سیاسیاً وأمنیاً، بحاجة إلی تحالف کبیر من عشرات الحکومات المعاندة أو المرعوبة، وبالطبع، سوف تنهزم فی المواجهة مع ذلک. إن إیران بفضل الثورة، تقف الآن فی مکانة شامخة ولائقة بالشعب الإیرانی فی أنظار العالم، وقد تجاوزت الکثیر من المنعطفات الصعبة فی قضایاها الأساسیّة.
بید أن الطریق الذی طوی وتمّ قطعه سابقاً لیس إلا جزءاً من المسار المجید نحو المبادئ السامیة لنظام الجمهوریة الإسلامیة. أمّا تتمّة هذا المسار والذی لن یکون علی أغلب الظن بصعوبة الماضی، فیجب أن یسار ویطوى بهممکم ویقظتکم وسرعة مبادرتکم أیها الشباب. وعلى المدراء الشباب، والمسؤولون الشباب، والمفکّرون الشباب، والناشطون الشباب فی کلّ الساحات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والدولیة، وکذلک فی مجالات الدین والأخلاق والمعنویة والعدالة، أن یتحملوا المسؤولیّة ویستفیدوا من تجارب الماضی وعبره ودروسه، ویعتمدوا النظرة الثوریة والروح الثوریة والعمل الجهادی، ویجعلوا من إیران العزیزة نموذجاً تاماً للنظام الإسلامی المتقدم.
النقطة المهمة التی ینبغی علی صناع المستقبل أن یأخذوها بعین النظر هی أنهم یعیشون فی بلد نادر من حیث الإمکانیات والطاقات الطبیعیة والبشریة، والکثیر من هذه الإمکانیات بقیت غیر مستفاد منها أو قلما استفید منها بسبب غفلة القیّمین والمسؤولین. وستستطیع الهمم العالیة ودوافع الشباب الثوریة أن تفعل هذه الإمکانیات، وتحقّق قفزة [نوعیّة] ـ بالمعنى الحقیقی للکلمة ـ من حیث التقدم المادی والمعنوی للبلاد.
إنّ الطاقة الأهم والباعثة علی الأمل فی البلاد، هی الطاقات الإنسانیة الموهوبة والکفوءة التی تتحلی ببنیة تحتیة إیمانیة ودینیة عمیقة وأصیلة. فنسبة الشباب دون سنّ الأربعین بین سکان إیران، والتی کان الجزء الأکبر منها نتیجة المدّ السکانیّ الذی عمّ البلاد فی الستینیات [الثمانینیات من القرن العشرین للمیلاد] تعدّ فرصة قیمة للبلاد. 36 ملیون نسمة تتراوح أعمارهم بین 15 و 40 عاماً، وقرابة 14 ملیون نسمة یحملون شهادات دراسات علیا، والمرتبة الثانیة عالمیاً فی خریجی العلوم والهندسة، وحشود الشباب الذین نشأوا علی الروح الثوریة وهم مستعدون لبذل المساعی الجهادیة فی سبیل البلاد، والعدد الملحوظ من الشباب الباحثین المحقّقین والمفکرین العاملین فی مجال الإبداع العلمی والثقافی والصناعی وغیره، هذه کلّها ثروات عظیمة للبلاد لا یمکن مقایستها بأیّ ثروة مادیّة.
وما عدا ذلک، تشکّل الفرص والطاقات المادیة فی البلاد قائمة طویلة، یمکن للمدراء الکفوئین المتحفزین العقلاء من خلال تفعیلها واستثمارها زیادة المداخیل الوطنیة بشکل ملحوظ، وجعل البلد ثریّاً غیر محتاج، ومعتمداً على نفسه بالمعنى الحقیقی للکلمة، ومعالجة المشکلات الراهنة. وإیران بتوفرها على واحد بالمائة من سکان العالم تمتلک سبعة بالمائة من احتیاطی المعادن فی العالم: فالمصادر الجوفیة الهائلة، والموقع الجغرافی الاستثنائی بین الشرق والغرب والشمال والجنوب، الأسواق الوطنیة الکبیرة، والأسواق الإقلیمیة الکبیرة، مضافاً إلى مجاورة 15 بلداً تحوی 600 ملیون نسمة، والسواحل البحریة الطویلة، والأراضی الخصبة الصالحة للزراعة بمحاصیل زراعیة متنوّعة، والاقتصاد الکبیر والمتنوع، هی جزء من إمکانیات البلاد، والکثیر من هذه الإمکانیات لا تزال غیر مستثمرة. ویقال إن إیران هی الأولى عالمیاً من حیث الإمکانیات الطبیعیة والبشریة غیر المستثمرة. ولا شک أنّکم أیها الشباب المتدیّن الدؤوب ستستطیعون معالجة هذا النقص الکبیر. والعقد الثانی من الخطّة العشرینیّة ینبغی أن یکون زمن الترکیز على الاستفادة من الإنجازات السابقة وتفعیل الإمکانیات والطاقات غیر المستثمرة، کما ینبغی للبلاد أن تتقدّم فی مجالات منها قطاع الإنتاج والاقتصاد الوطنی.
والآن أقدم لکم یا أبنائی الأعزاء بعض التوصیات بخصوص جملة من العناوین الأساسیة. وهذه العناوین هی: العلوم والبحث العلمی، المعنویة والأخلاق، الاقتصاد، العدالة ومکافحة الفساد، الاستقلال والحریة، العزة الوطنیة، العلاقات الخارجیة تحدید الأطر والحدود مع العدو، ونمط الحیاة.
لکن قبل کلّ شیء، توصیتی الأولى هی الأمل والنظرة المتفائلة للمستقبل، إذ لا یمکن خطو أی خطوة من دون هذا المفتاح الأساسی الفاتح لکل الأقفال. وما أتکلّم عنه هو الأمل الصادق المعتمد على الوقائع الخارجیّة. فلطالما ابتعدت عن الأمل الکاذب الخادع، ولکنّی حذرت وأحذر نفسی والجمیع فی الوقت عینه من الیأس فی غیر محله ومن الخوف الکاذب. لقد کانت السیاسة الإعلامیة للعدو طوال هذه الأعوام الأربعین ـ والآن أیضاً کما هی دوماً ـ وأبرز برامجها وأنشطتها منصبة على تیئیس شعبنا، وحتّى مسؤولینا ومدرائنا، من المستقبل. ولقد کانت الخطط الدائمة لآلآف الوسائل الإعلامیة المسموعة والمرئیة والإنترنتیة المعادیة للشعب الإیرانی تعتمد الأخبار الکاذبة، والتحلیلات المغرضة، وقلب الوقائع والحقائق، وإخفاء المظاهر الباعثة على الأمل، وتضخیم العیوب الصغیرة وتصغیر أو إنکار الإیجابیات الکبیرة. وبالطبع، یمکن مشاهدة أذنابهم وأتباعهم فی داخل البلاد ممن یعملون على خدمة العدو مستغلین الحریات المتاحة. علیکم أنتم الشباب أن تکونوا رواداً فی کسر هذا الحصار الإعلامی، فنمّوا فی نفوسکم وفی نفوس الآخرین غرسات الأمل بالمستقبل، وانبذوا من نفوسکم ونفوس الآخرین الخوف والیأس. هذا جهادکم الأوّل والأهمّ. ومؤشرات الأمل ـ التی تمّت الإشارة إلى بعضها ـ نصب أعینکم، وحالات النماء فی الثورة أکثر بکثیر من حالات السقوط، والأیدی والقلوب الأمینة الخدومة أکثر بکثیر من المفسدین والخونة والناهبین. والعالم ینظر بعین الإجلال والاحترام للشباب الإیرانی والصمود الإیرانی والإبداعات الإیرانیة فی کثیر من المجالات. فاعرفوا قدر أنفسکم وجدّوا السیر نحو المستقبل، بقوّة الله، واصنعوا الملاحم.
أما التوصیات:
1 ـ العلم والبحث العلمی: العلم هو الوسیلة الأبرز لعزة بلد ما وقّوته. فالوجه الآخر للعلم هو القدرة. وقد استطاع العالم الغربی بفضل علومه تحقیق الثروة والنفوذ والقوة لنفسه طوال مائتی عام، ورغم فقره من حیث الأسس الأخلاقیة والعقائدیّة، استطاع بفرضه أسلوب الحیاة الغربی على المجتمعات المتأخرة عن قافلة العلم، الإمساک بزمام سیاساتها واقتصادها. إننا لا نوصی باستغلال العلم کما فعل الغرب، إلا أننا نؤکّد، وبنحو قاطع، على حاجة البلاد لتدفّق ینابیع العلم بین ظهرانیها. والحمد لله أنّ المواهب العلمیة والبحثیة لدى شعبنا أعلى من المتوسط العالمی. فقد بدأت النهضة العلمیّة فی بلدنا منذ ما یقارب العقدین من الزمن، وتقدمت بسرعة کانت مفاجئة للمراقبین العالمیّین، وهی سرعة تزید بأحد عشر ضعفاً على متوسط النموّ العلمی فی العالم. إن مکتسباتنا العلمیة والتقنیة خلال هذه المدة، والتی رفعتنا إلى المرتبة السادسة عشرة بین أکثر من مائتی بلد فی العالم، وأذهلت المراقبین العالمیین وارتقت بنا فی بعض الحقول الحساسة والجدیدة إلى المراتب الأولى، کلّها حصلت عندما کان البلد یتعرّض لحظر مالی وعلمی. ولقد سجلنا أرقاماً قیاسیة کبیرة على الرغم من سباحتنا عکس التیار الذی صنعه العدوّ، وهذه نعمة کبیرة یجب أن نشکر الله علیها لیل نهار.
إلّا أنّ ما أرید قوله هو أن هذا الطریق الذی طوی ما هو على أهمّیته سوى بدایة لیس أکثر. إننا لا نزال متأخرین جداً عن قمم العلم فی العالم، ویجب أن نصل إلى القمم. یجب أن نتخطى الحدود الراهنة للعلم فی أهم الحقول والفروع. إنّنا لا نزال متأخرین عن هذه المرحلة کثیراً. لقد بدأنا من الصفر. وإنّ التأخر العلمی المخجل فی العهدین البهلوی والقاجاری عندما کان السباق العلمی فی العالم قد انطلق لتوه، وجه لنا ضربة قویة وأبقانا متأخرین فراسخ عن هذه القافلة المسرعة. لقد بدأنا الحرکة والمسیرة الآن ونحن نتقدم فیها بسرعة، غیر أن هذه السرعة یجب أن تستمر على شدتها لسنین طویلة للتعویض عن ذلک التأخر. ولطالما نبهت وحذرت ودعوت بحرارة وحسم وجدّ، الجامعات والجامعیّین ومراکز البحث العلمی والباحثین فی هذا الخصوص، إلا أن مطالبتی العامة منکم أیها الشباب الآن هی تسیروا فی هذا الدرب بمزید من الشعور بالمسؤولیة و[تعدّونه] کعمل جهادی. لقد تم وضع الحجر الأساس لثورة علمیة فی البلاد وقدّمت هذه الثورة شهداء من قبیل شهداء الطاقة النوویة. فانهضوا وأفرضوا الفشل والإخفاق على العدوّ الحاقد الذی یضمر لکم السوء ویخاف من جهادکم العلمی أشد الخوف.
2 ـ المعنویة والأخلاق: المعنویة بمعنى تکریس القیم المعنویة من قبیل: الإخلاص والإیثار والتوکل والإیمان بالذات وبالمجتمع. والأخلاق بمعنی مراعاة فضائل من قبیل حب الخیر والتسامح ومساعدة المحتاجین والصدق والشجاعة والتواضع والثقة بالنفس وسائر الأخلاق الحسنة. فالمعنویة والأخلاق هی الموجّهة لکل الحرکات والنشاطات الفردیة والاجتماعیة وهی حاجة أساسیة للمجتمع، ووجودها یجعل من أجواء الحیاة جنة حتى مع وجود النواقص المادیة، وعدم وجودها یجعل الحیاة جحیماً حتى مع التمتّع بالإمکانیات المادیة.
کلّما نما الشعور المعنوی والضمیر الأخلاقی فی المجتمع أکثر، أثمر خیرات وبرکات أکثر. ولا شک أنّ هذا بحاجة إلى جهاد وسعی، وهذا الجهاد والسعی لن یکتب له النجاح بشکل ملموس من دون مواکبة الحکومات له. والأخلاق والمعنویة حتماً، لا تتحقّقان عن طریق الأوامر والنواهی، وعلیه، لا یمکن للحکومات تحقیقها عن طریق القوة القهریة، لکن علیها هی أولاً أن تتحلّى بالسِّیَر والسلوکیات الأخلاقیة والمعنویة، وثانیاً علیها أن تهیّىء الأرضیة لإشاعتها وترویجها فی المجتمع، وأن تتیح الفرص للمؤسسات الاجتماعیة للعمل على هذا الموضوع، وتمد لها ید العون. کما علیها محاربة المؤسّسات المعادیة للمعنویة والأخلاق بأسلوب معقول، وباختصار، أن لا تسمح للجهنمیین أن یجعلوا الناس جهنمیین بالقوة والخداع.
لقد وفّرت الوسائل الإعلامیة المتطورة والشاملة إمکانیات خطیرة جداً للمراکز المعادیة للمعنویة والأخلاق، وها نحن نرى الآن بأعیننا، الهجمات المتصاعدة للأعداء على القلوب الطاهرة للشباب والأحداث وحتّى الأطفال بالاستفادة من هذه الوسائل. تتحمّل الأجهزة الحکومیة المسؤولة فی هذا الخصوص واجبات جسیمة یجب أن تنهض بها بشکل ذکی ومسؤول تماماً. وهذا بالطبع لا یعنی إسقاط المسؤولیة عن الأشخاص والمؤسسات غیر الحکومیة. ویجب فی المرحلة القادمة إعداد خطط وبرامج شاملة قصیرة ومتوسطة الأمد فی هذا الخصوص والعمل على تطبیقها، إن شاء الله.
3 ـ الاقتصاد: الاقتصاد قضیة مفتاحیة مصیریة. والاقتصاد القوی نقطة قوة وعامل مهم فی عدم الخضوع للهیمنة، وفی مناعة البلاد حیال النفوذ والتغلغل، والاقتصاد الضعیف نقطة ضعف ومقدمة لنفوذ الأعداء وهیمنتهم وتدخّلهم. الفقر والغنى یؤثّران فی الشؤون المادیّة والمعنویّة للبشر. والاقتصاد بالطبع، لیس هدف المجتمع الإسلامی، لکنّه وسیلة لا یمکن تحقیق الأهداف من دونها. وما تأکیدی على تعزیز الاقتصاد المستقل للبلاد والقائم على الإنتاج الوفیر ذی الجودة، والتوزیع العادل، والاستهلاک على قدر الحاجة ومن دون إسراف، والعلاقات الإداریة العقلانیة، ما تأکیدی على کلّ ذلک فی الأعوام الأخیرة وتکراری له سوى لذلک التأثیر المذهل الذی یمکن للاقتصاد أن یترکه فی حیاة المجتمع حاضراً ومستقبلاً.
لقد بیّنت الثورة الإسلامیّة لنا طریق الخلاص من الاقتصاد الضعیف والتابع والفاسد فی عهد الطاغوت، إلّا أنّ الأداءات الضعیفة عرّضت اقتصاد البلاد لتحدّیات خارجیة وداخلیة. التحدی الخارجی هو الحظر وإلقاءات العدوّ ومغریاته والتی ستکون قلیلة التأثیر أو حتّى عدیمته فی حال إصلاح المشکلة الداخلیة. أمّا التحدّی الداخلی فعبارة عن العیوب البنیویة والضعف الإداری.
وأهمّ العیوب هی تبعیة الاقتصاد للنفط، وتبعیّة بعض القطاعات الاقتصادیة للحکومة والتی لیست من اختصاصها، والترکیز على الخارج ولیس على القدرات والطاقات الداخلیة، والاستثمار القلیل للطاقات البشریة الداخلیة، وإعداد الموازنات بشکل مختل وغیر متوازن، وبالتالی عدم استقرار السیاسات التنفیذیة للاقتصاد وعدم مراعاة الأولویات، ووجود مصاریف إضافیة بل وحتّى إسرافیّة فی بعض أقسام الأجهزة الحکومیة. ونتیجة لهذا، تحدث مشکلات فی حیاة الناس من قبیل بطالة الشباب وتدنّی مداخیل الطبقة الفقیرة وما شاکل.
وسبیل الحل لهذه المشکلات هو سیاسات الاقتصاد المقاوم، الذی ینبغی إعداد خطط تنفیذیة لکلّ جانب من جوانبه، ومتابعته وتطبیقه باقتدار ونشاط وشعور بالمسؤولیة من قبل الحکومات. ومن الجوانب المهمة فی هذه الحلول، التدفّق الداخلی فی اقتصاد البلاد، وصیرورته اقتصاداً إنتاجیّاً وعلمیّ المحور، والطابع الشعبی العام للاقتصاد وعدم تصدّی الحکومة له، والتوجّه نحو الخارج [وإقامة علاقات إقتصادیّة معه] من خلال استثمار الإمکانیات والطاقات التی سبق وتمّت الإشارة إلیها. ولا شکّ فی أنّ مجموعة شابة عالمة متدینة مؤمنة متمکنة فی العلوم الاقتصادیة داخل الحکومة ستستطیع تحقیق هذه المقاصد. وینبغی للمرحلة القادمة أن تکون ساحة لنشاط مثل هذه المجموعة.
لیعلم الشباب الأعزاء فی سائر أنحاء البلاد أنّ کلّ الحلول هی فی داخل البلاد، وأن یتصوّر شخص أن المشکلات الاقتصادیة ناجمة فقط عن الحظر، وسبب الحظر هو المقاومة ضد الاستکبار وعدم الاستسلام أمام العدو؛ فالحلّ إذاً، هو الرکوع أمام العدوّ وتقبیل ید الذئب فهذا خطأ لا یغتفر. هذا التحلیل الخاطىء بکلّیّته، یصدر بین الحین والآخر على ألسنة بعض الغافلین الداخلیین وأقلامهم، لکنّ مصدره مراکز الفکر والتآمر الخارجیة التی تبثه وتوحی به بمائة لغة إلى صناع القرار وأصحاب القرار والرأی العام الداخلی.
4 ـ العدالة ومکافحة الفساد: هذان الأمران متلازمان. الفساد الاقتصادی والأخلاقی والسیاسی کتلة مرَضیّة فی البلدان والأنظمة، إذا ما أصابت هیکل الحکومات عرّضتها لزلزال مدمر ووجهت ضربة شدیدة لشرعیتها؛ وهذه قضیة جدّیة وأساسیّة للغایة بالنسبة لنظام کنظام الجمهوریة الإسلامیة الذی یحتاج إلى شرعیة أعلى من الشرعیات الدارجة وأشدّ رسوخاً من المقبولیّة الاجتماعیّة مقارنة بسائر الأنظمة. ومغریات المال والمنصب والرئاسة قد تتسببت بزلل أقدام البعض حتّى فی أکثر حکومات التاریخ نزاهة أی حکومة الإمام علی أمیر المؤمنین (علىه السلام) نفسها، وعلیه، فمخاطر ظهور هذا التهدید فی الجمهوریة الإسلامیة أیضاً، التی کان مدراؤها ومسؤولوها یوماً، یتسابقون فی الزهد الثوری والبساطة فی الحیاة، غیر مستبعد على الإطلاق، وهذا ما یتطلّب الحضور الدائم للأجهزة الکفوءة، ذات النظرة الثاقبة والتعاطی الحاسم، فی السلطات الثلاث، فتحارب الفساد بالمعنى الحقیقی للکلمة، وخصوصاً داخل الأجهزة الحکومیة.
وبالطبع، فإنّ نسبة الفساد بین المسؤولین فی حکومة الجمهوریة الإسلامیة قلیلة جداً، بالمقارنة مع کثیر من البلدان الأخرى، خاصّة نظام الطاغوت الذی کان مملوءاً بالفساد من رأسه إلى أخمص قدمیه، ومروجاً له، والحمد لله أنّ رجال هذا النظام قد حافظوا فی الأعمّ الأغلب على نزاهتهم، لکن حتّى هذا المقدار الموجود غیر مقبول. على الجمیع أن یعلموا أن النزاهة الاقتصادیة شرط لشرعیّة کلّ المسؤولین فی دولة الجمهوریة الإسلامیة. على الجمیع أن یحذروا من شیطان الطمع ویفروا من اللقمة الحرام وأن یستعینوا بالله فی هذا الخصوص، وعلى الأجهزة الرقابیّة والحکومیة أن تکافح، بحسم وبحساسیة، انعقاد نطف الفساد ونموّها. وهذا الکفاح یتطلب أناساً مؤمنین ومجاهدین، ذوی نفوس عزیزة، وأید نظیفة وقلوب نیرة. هذا الکفاح هو جزء مؤثر من المساعی الشاملة التی ینبغی لنظام الجمهوریة الإسلامیة بذلها فی سبیل تکریس العدالة.
تقع العدالة فی قائمة الأهداف الأولى لبعثة سائر الأنبیاء، ولها فی الجمهوریة الإسلامیة أیضاً المنزلة والمکانة ذاتها. إنّها کلمة مقدّسة فی کلّ الأزمنة والبلدان ولن تتحقّق بشکلها الکامل إلا فی دولة الإمام صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه)، لکنها ممکنة بنسبة ما، فی کلّ مکان وزمان، وهی فریضة على عاتق الجمیع خاصّة الحکام والمقتدرین. وقد قطعت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة خطوات واسعة فی هذا السبیل، سبقت الإشارة إلیها على نحو الإیجاز، وطبعاً ینبغی القیام بأعمال أکثر فی إیضاح تلک الخطوات وشرحها لإحباط مؤامرة قلب الحقائق أو لا أقل الصمت والتعتیم التی تمثل فی الوقت الحاضر المخطط الجاد لأعداء الثورة.
ومع کلّ هذا أقول بصراحة للشباب الأعزاء الذین یتطلع لهم مستقبل البلاد، یوجد بون شاسع بین ما تمّ إنجازه إلى الآن وما کان ینبغی أن یُنجز. ینبغی لقلوب المسؤولین فی الجمهوریة الإسلامیة أن تخفق دوماً من أجل رفع الحرمان، وتخاف أشدّ الخوف من الفوارق الطبقیة العمیقة. إنّ اکتساب الثروة فی الجمهوریة الإسلامیة لیس جریمة، بل هو موضع تشجیع وترغیب، لکنّ التمییز فی توزیع المصادر والثروات العامة، وإتاحة الفرصة للانتهازیین والمحتکرین، ومداراة المخادعین الاقتصادیین، والتی تؤدّی کلّها إلى انعدام العدالة، هی ممارسات ممنوعة أشد المنع. کما أنّ الغفلة عن الشرائح المحتاجة إلى الدعم، غیر مقبولة على الإطلاق. لقد ورد هذا الکلام مراراً على شکل سیاسات وقوانین، لکنّ عیون الأمل مسمّرة علیکم أیها الشباب لتنفیذه تنفیذاً لائقاً، وإذا ما أُحیلت إدارة قطاعات البلاد المختلفة إلى الشباب المؤمن الثوری العالِم الکفوء ـ وهم لیسوا قلة بحمد الله ـ فسوف یتحقّق هذا الأمل إن شاء الله.
5 ـ الاستقلال والحریة: الاستقلال الوطنی بمعنى انعتاق الشعب والدولة ممّا تفرضه القوى المهیمنة على العالم ومن عسفها وهیمنتها. والحریة الاجتماعیة بمعنى حق اتخاذ القرار والعمل والتفکیر لکلّ أفراد المجتمع. وهذان کلاهما من القیم الإسلامیة، وکلاهما عطایا إلهیة للبشر، ولیس أیّ منهما تفضّل تجود به الحکومات على الشعوب. ومن واجب الحکومات تأمین هذین الأمرین. إنّ أکثر من یعرف أهمّیّة الحریة والاستقلال هم من حاربوا من أجلهما. ومن هؤلاء الشعب الإیرانی بجهاده على مدى أربعین عاماً. والاستقلال والحریة الحالیان الموجودان فی إیران الإسلامیة هما إنجاز، بل ثمرة دماء مئات الآلاف من الأشخاص المتسامین الشجعان والمضحّین. وهم غالباً من الشباب، لکنّهم فی المراتب الإنسانیة الرفیعة. لا یمکن المخاطرة بثمرة شجرة الثورة الطیبة هذه، بالتأویلات والتبریرات الساذجة، والمغرضة أحیاناً. من واجب الجمیع ـ وخصوصاً حکومة الجمهوریة الإسلامیة ـ حمایة هذا الإنجاز بکلّ کیانهم. ومن البدیهی أن الاستقلال یجب أن لا یؤخذ بمعنى حصر سیاسة البلاد واقتصادها داخل حدودها، کما لا ینبغی تفسیر الحریة بشکل متعارض مع الأخلاق والقانون والقیم الإلهیّة والحقوق العامّة.
6 ـ العزة الوطنیة والعلاقات الخارجیة وتحدید الأطر والحدود مع العدوّ: هذه العناوین الثلاثة تفریعات لمبدأ العزة، الحکمة، والمصلحة فی العلاقات الدولیة. تشهد الساحة العالمیة الیوم ظواهر تحققّت أو هی على وشک التحقّق والظهور: الحرکة الجدیدة لنهضة الصحوة الإسلامیة على أساس نموذج المقاومة بوجه هیمنة أمریکا والصهیونیة، وفشل سیاسات أمریکا فی منطقة غرب آسیا وعجز حلفائها الخونة فی المنطقة، واتساع [رقعة] الحضور القوی لسیاسة الجمهوریة الإسلامیة فی غرب آسیا، وانعکاساته الواسعة فی کلّ العالم المهیمن.
هذه بعض مظاهر عزّة الجمهوریة الإسلامیة التی لا تتأتّى إلا بشجاعة المسؤولین الجهادیین وحکمتهم. إنّ زعماء نظام الهیمنة قلقون، واقتراحاتهم عموماً تنطوی على الخداع والحیل والأکاذیب. إنّ الشعب الإیرانی الیوم یعدّ فضلاً عن أمریکا المجرمة، بعض الحکومات الأوروبیة أیضاً، مخادعة ولا یمکن الثقة بها. وعلى حکومة الجمهوریة الإسلامیة أن تحافظ على الحدود الفاصلة بینها وبینهم بدقة، ولا تتراجع عن قیمها الثوریة والوطنیة خطوة واحدة، وأن لا تخاف تهدیداتهم الجوفاء، وأن تأخذ فی جمیع الأحوال، عزّة بلادها وشعبها بعین النظر، وتعالج مشکلاتها الممکنة الحلّ معهم بطریقة حکیمة، ووفق المصالح، وبالطبع من الموقع والمنطلق الثوری. أمّا فیما یخصّ أمریکا، فإنّ حلّ أیّ مشکلة غیر متصوّر معها، والتفاوض معها لن یعود سوى بالخسائر والأضرار المادیة والمعنویة.
7 ـ نمط الحیاة: ما یلزم قوله فی هذا المضمار کثیر، فأترکه لمناسبة أخرى وأکتفی بنقطة واحدة هی، أنّ جهود الغرب لترویج أسلوب الحیاة الغربی فی إیران وإشاعته، قد عرّض بلادنا وشعبنا لأضرار أخلاقیة واقتصادیة ودینیة وسیاسیة لا تعوض، ومواجهتها تتطلب جهاداً شاملاً وواعیاً تتسمّر فیه عیون الأمل أیضاً علیکم أیها الشباب.
فی الختام، أتقدّم بالشکر من الشعب العزیز على المشارکة المهیبة والباعثة على الفخر والمحطّمة [لآمال] الأعداء فی الثانی والعشرین من بهمن والذکرى الأربعین لانتصار الثورة الإسلامیة العظیمة، وأمرّغ جبهتی على أعتاب الساحة الربوبیة شکراً. السلام على الإمام بقیة الله (أرواحنا فداه)، والسلام على الأرواح الطیّبة للشهداء الأجلّاء، والروح الطاهرة للإمام الخمینی الکبیر، وسلامی لکلّ أبناء الشعب الإیرانی العزیز، وسلامٌ خاصّ للشباب.
الداعی لکم
السید علی الخامنئی
22 بهمن 1397هـ.ش
11 شباط 2019م

برچسب ها :


نام*
ایمیل*
نظر*




نسخه قابل چاپ
کد خبر : 50030
تاریخ خبر : 1398/06/20-14:36
تاریخ به روز رسانی : 1401/08/02-20:31